• نقابة المحامين في طرابلس - لبنان

النقيب رشيد درباس يدّق ناقوس الحزن على بيروت: ماذا قال لها الإنفجار؟

10/08/2020

خصص الوزير السابق ونقيب المحامين الأسبق رشيد درباس "ناقوس الأحد" الذي يقرعه إسبوعياً عبر إذاعة "صوت لبنان" للحديث عن إنفجار مرفأ بيروت، وجاء فيه:

أية سحابة من الفطر السام خيّمت فوق بيروت فضيعت معالمها، وطحنت زجاجها، وألغت شوارعها، وهدمت أبنيتها ولوثت هواءها، وطرحت أهراءها أرضاً، وأتلفت قمحها وذوبت رجال إطفائها، وقتلت الناس في بيوتهم، وشردت أهلها، ونثرت دماءها على جدران الأزمنة.

أية طغمة فطرية سامة متناسلة تمسك بخناق اللبنانيين منذ عقود طويلة، فاذا باد جيل منها، ظهر عقب يجعلنا نترحم على النباش الأول.

أية وجوه كالحة مستعارة من متاحف الشمع تكاد العين تنكر عليها الحركة لولا عبث النسيم بخصلات الشعر المصبوغ، وحركة المشط السريعة لإعادة المنظر إلى حالته الشمعية.

أية ملامح بلا تعابير، وأية تعابير بلا معانٍ، وأي حكم حل نحسه الطويل علينا.
وأية إقامة ثقيلة فوق صدورنا لا نرى لها نهاية.

أتخمونا بأفضالهم، فأفقدونا الأهل والسند، وأفقروا البلد وجففوا السيولة، وأفرغوا المصارف، وصادقوا الوباء وعمموا البلاء وفرضوا علينا دوام الولاء.

الله لا يوفقهم يقول عامة الناس، نحن نعيش بالصدفة، قالت لي ابنتي، أنا عشت أكثر مما ينبغي، فكان قلبي ينخلع خوفاً عند ذهاب الأولاد إلى المدارس خشية أن تفتك بهم قذيفة عشوائية، نجوت من الموت مراراً ومراراً وشهدت الاجتياح الاسرائيلي وعايشت صبرا وشاتيلا، ومأساة الدامور والجبل واجتياح علما ومذبحة تل عباس وبعض قرى عكار، وكنت أبرر ما أرى بسبب سذاجتي الوطنية التي ربيت عليها.

كرهت الفرنسيين واللغة الفرنسية والسينيال الخشبي اللعين، وهتفت ضد الجنرال ديغول، إلى أن أحسست فجأة أن ما تبقى من لبنان يعيش على ما تبقى مما فعله الفرنسيون لنا.

اجتاحتني أمنية جارحة حين تابعت المؤتمر الصحافي للرئيس مكرون بلغة مبسطة وناعمة كحد الشفرة، فهمتها من غير حاجة لمترجم، فتمنيت لو كان هو رئيس جمهوريتي، كما تمنيت ذلك من قبل أن يكون جان ايف لودريان وزير خارجيتنا لأنه كان ذا شفقة ورحمة ومحبة للبنان أكثر من حكامنا كلهم.

يا أمراء الظلام،
يا أهل الأمونياك، كونوا على ثقة ان أرواح الضحايا ستقيم معكم في سركم ونجواكم وفراشكم، وأن دماء الجرحى ستلطخ أحلامكم وتزحم مقلكم في الصحو والإغفاء...

قال ماكرون: عندما يصاب القلب اللبناني يصاب القلب الفرنسي أيضاً...
وقال : في محنتكم فرنسا بقربكم دائما،
وقال أيضاً: ثقوا بي...

نحن نثق بزيارته ومبادرته وخطابه وعاطفته ودموعه المترقرقة في عينيه الزرقاوين،
ألا تبا لدموع التماسيح والديناصورات،
قال محمود درويش: بيروت الحبر الربح البحر والحرب.
وقال نزار: إن كنا منك نغار..

فماذا قال لها الانفجار.....
إن النفاياتِ التي زكمت الأنوف والشوارع، والودائعِ التي آلت إلى بخار، والدولةِ التي تجاوزت رِكَّتُها تهافتَ التهافت، والعلاقاتِ العربيةِ والدوليةِ التي تردَّت إلى حد القطيعة والفضيحة بتقديم المعونات مباشرة لدعم بيروت والشعب اللبناني من خارج مؤسسات الدولة المدانة، فأمور رغم ضررها المتوحش لم تصدر أصواتًا، لذلك نعذر المسؤولين إذا لم تسمعْها آذانهم الطويلة، فهل سمعوا دوي الانفجار؟!!

بقلم النقيب رشيد درباس