06/05/2025 برعاية كريمة من نقيب المحامين في طرابلس، الأستاذ سامي مرعي الحسن، نظم معهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين في طرابلس، بالتعاون مع المركز اللبناني للعدالة وبلدية طرابلس، ندوة تفاعلية بعنوان: “البلديات بين الواقع والمرتجى”، وذلك في نقابة المحامين في طرابلس – القاعة الوسطى.
شهدت الندوة حضوراً نوعياً لافتاً، ضمّ نخبة من الشخصيات الرسمية، والحقوقية، والسياسية، والإعلامية، والأكاديمية، والمجتمعية؛ في مقدّم الحاضرين، ممثل نقيب المحامين الأستاذ طوني فرنجية، وممثل قائد الجيش العميد نبيه سعد – قائد مقر عام منطقة الشمال، والوزير السابق الأستاذ سمير الجسر، إلى جانب النواب الدكتور إيهاب مطر، الأستاذ جميل عبود، والنائب كريم كبارة ممثلاً بالأستاذ سامي رضا. كما حضر النواب السابقون الأستاذ مصباح الأحدب، والأستاذ رامي فنج، والقاضي الدكتور إيلي معلوف، وأمين سر عام محافظة الشمال – القائمقام الأستاذة إيمان الرافعي، وقائمقام قضاء بشري الأستاذة ربى شفشق، ورئيس بلدية طرابلس سعادة الدكتور رياض يمق، وممثل نقيب المهندسين في الشمال الأستاذ سليم نشابة، إلى جانب نقيب المحامين الاسبق الاستاذ فهد المقدم، والنقيب السابق الدكتور منذر كبارة، ونائب رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع الأستاذ إبراهيم عوض، وعضو مجلس نقابة المحامين وأمين الصندوق الأستاذ إبراهيم حرفوش، إضافة إلى حشد من الأكاديميين، والإعلاميين، والحقوقيين، وممثلي هيئات المجتمع المدني، وطلاب الجامعات، والناشطين.
استُهلت الندوة بالنشيد الوطني اللبناني، ثم نشيد نقابة المحامين في طرابلس، تلاهما كلمة ترحيبية ألقتها الأستاذة نرمين الأحمد، التي قدّمت برنامج اللقاء، مؤكدةً أن البلديات تُعد ركناً أساسياً في التنمية المحلية وتحسين حياة المواطنين، ونحن اليوم هنا لتبادل الرؤى حول سُبل تعزيز دورها. كما عرضت أبرز محاور الندوة وأهدافها، موجّهة الشكر لجميع الحضور والمشاركين.
بكلمتها الافتتاحية ألقت مديرة معهد حقوق الإنسان – الأستاذة رنا دبليز كلمة باسم المعهد، حيث قالت:
ان هذه الندوة تنعقد بالشراكة مع المركز اللبناني للعدالة، وفي وقت نحتاج فيه إلى إعادة تعريف العلاقة بين المواطنين والمؤسسات المحلية.
وتابعت، المواطنة تبدأ بالمشاركة، والحوار حول بلدية فاعلة يجب أن يرتكز إلى تعزيز الحوكمة، الشفافية، وتكريس مشاركة النساء والشباب.
وختمت، نحن اليوم، ومن خلال هذا اللقاء، نؤكد على دور المعهد في الدفع نحو بناء إدارات محلية أكثر فاعلية والتزامًا بمبادئ الحكم الرشيد.
وفي دورها، تحدثت مديرة المركز اللبناني للعدالة- الدكتورة عايشة يكن - عن أهمية البلديات كركيزة أساسية في بناء الدولة، مشيرةً إلى أن الانتخابات البلدية تمثل استحقاقاً محورياً وفرصة حقيقية للتغيير. وأضافت أن طرابلس، التي عانت من الإهمال والانقسامات، تستحق أن تستعيد دورها ومكانتها. وأكدت على ضرورة انتخاب مجلس بلدي يتمتع بالكفاءة والنزاهة، يعكس كافة مكونات المجتمع، ويبتعد عن الاصطفافات والمحاصصات.
كما شددت على أهمية تعزيز الشراكة والمواطنة في العمل البلدي، مؤكدة ضرورة تكريس دور المرأة والشباب في العملية التنموية، وتحقيق بلدية فاعلة تعمل بشفافية ورؤية واضحة.
وفي إطار حديثها عن اللامركزية الإدارية، أوضحت أن البلديات يجب أن تكون شريكة في اتخاذ القرار، وليس مجرد أجهزة تنفيذية خاضعة للوصاية.
كما دعت الحضور إلى اغتنام الفرصة المتاحة لتحقيق تغيير حقيقي في المدينة والوطن، مؤكدة أن بناء مستقبل أفضل لطرابلس يتطلب تضافر الجهود وتعاون الجميع.
وفي كلمته خلال ندوة “البلديات بين الواقع والمرتجى”، أكد رئيس بلدية طرابلس، الدكتور رياض يمق، على التحديات الكبيرة التي تواجه البلديات في لبنان، حيث وصفها بأنها عاجزة عن النهوض بسبب القيود المفروضة من السلطة المركزية. كما أشار إلى أن البلديات قد اختُزلت في خدمات بدائية مثل جمع النفايات وتزفيت الطرقات، مما أدى إلى تهميش قضايا حيوية مثل البطالة والتعليم والتنمية الاقتصادية المحلية. واعتبر أن التحديات التشريعية والقانونية هي الأكبر، داعياً إلى تعديل قوانين البلديات وتفعيل استقلالها المالي والإداري لتتمكن من أداء مهامها بفعالية.
وأشار يمق أيضاً إلى أزمة الموارد المالية وضعف الحوكمة داخل البلديات، مؤكداً أهمية تعزيز الشفافية عبر البلديات الإلكترونية وتفعيل مبدأ الشفافية في البيانات المقدمة للمواطنين. كما دعا إلى تعزيز التضامن بين البلديات وتفعيل اللامركزية الإدارية، وتحقيق تنمية محلية اقتصادية قوية، لضمان أن تتحول البلديات من مجرد هيئات خدماتية إلى كيانات اقتصادية محورية تعمل على توجيه التنمية والمشاركة فيها.
وفي كلمة ألقاها نيابة عن نقيب المحامين الاستاذ سامي مرعي الحسن، أكد أمين سر نقابة المحامين في طرابلس، الاستاذ طوني فرنجية، على التزام النقابة الثابت بالدفاع عن الديمقراطية واحترام الاستحقاقات الدستورية. ولفت إلى أن النقابة كانت السباقة في إجراء انتخاباتها في موعدها رغم الظروف الصعبة، تأكيداً منها على مبدأ تداول السلطة وحق المواطنين في اختيار ممثليهم، في وقت عمدت فيه سائر نقابات المهن الحرة إلى تأجيل انتخاباتها.
وأشار إلى أن هذه الندوة تأتي في توقيت بالغ الأهمية، قبيل إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية بعد تأجيلٍ دام ثلاث سنوات، مشدداً على أن البلديات تمثل الواجهة المباشرة للدولة في حياة المواطنين، ما يفرض ضرورة النهوض بدورها الإنمائي والتنموي. ودعا إلى ترسيخ ثقافة ديمقراطية قائمة على الشفافية والمحاسبة، بعيداً عن منطق الزعامة والولاءات الضيقة، لا سيما في ظل التحولات المتسارعة وعصر الذكاء الاصطناعي. كما نقل تحيات نقيب المحامين في طرابلس الأستاذ سامي مرعي الحسن واعتذاره عن عدم المشاركة في أعمال الندوة بسبب ارتباطه بسفر مسبق، مؤكداً استمرار النقابة في أداء دورها الوطني كشريك فاعل في بناء دولة القانون.
في مداخلته حول “اللامركزية الإدارية والرقابة بين الاستقلالية والتبعية”، قدّم القاضي الدكتور إيلي معلوف طرحاً متوازناً وواقعياً للعلاقة بين البلديات كسلطات محلية مستقلة، وبين أجهزة الرقابة الإدارية والمالية.
أوضح أن البلديات تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، لكنها في الوقت نفسه تخضع لرقابات متعددة، أبرزها الرقابة المسبقة التي تمارسها سلطات مركزية مثل وزارة الداخلية أو التفتيش المركزي، والتي غالباً ما تُعرقل العمل البلدي بدل أن تنظّمه، بسبب بطء الآليات الإدارية أو غياب المعايير الواضحة.
وشدّد على أن الرقابة، وإن كانت ضرورية لضمان الشفافية والمساءلة، إلا أنها عندما تتجاوز وظيفتها الوقائية إلى حدّ الهيمنة، تتحوّل إلى عائق أمام الفعالية البلدية ومبادرات التنمية.
دعا القاضي إلى إعادة النظر في أدوات الرقابة وآلياتها، بهدف تطويرها بما يُحقق التوازن بين الاستقلالية اللازمة للعمل البلدي والرقابة الرشيدة التي تحمي المال العام من دون تعطيل المبادرات.
تميّزت مداخلته بالوضوح والجرأة في تشخيص الثغرات البنيوية، وقد لاقت استحسان الحضور لما حملته من رؤية عملية وشاملة للنهوض بالعمل البلدي ضمن منطق اللامركزية الفاعلة
بعد الكلمات الافتتاحية تم الانتقال إلى المحاور الرئيسية التي شكلت أساس النقاشات خلال هذه الندوة، وقد تم تسليط الضوء على القضايا الهامة المتعلقة بالعمل البلدي ودور المرأة في هذا المجال.
وفي اطار ادارته للجلسة الاولى والتي تناولت موضوع "اأداء البلديات بين لرقابة والحوكمة" قدم الدكتور محمد علم الدين عرضا نقدياً موجزاً لدور البلديات متسائلاً عن سبب فشل بعض البلديات في وقت حققت بلديات اخرى نجاحات ملفتة علماً ان جميع هذه البلديات تواجه نفس القوانين والاجراءات الرقابية المتعددة التسميات والمستويات.
واشار الدكتور علم الدين الى اهمية الحوكمة كمسار داخلي يؤمن الفصل بين الدور التقريري لاعضاء المجلس البلدي والمهام التنفيذية للرئيس والجهاز الاداري المولج تنفيذ القرارت البلدية.
ثم ختم بالقول اذا كانت الرقابة اللاحقة مفعلة اصولاً عندها تصبح الرقابة السابقة لزوم ما لا يلزم لا بل تعتبر عنصراً معرقلاً لحسن سير الاعمال البلدية.
في إطار محور "المرأة في المجلس البلدي" أدار الإعلامي الأستاذ محمد الحسن جلسة حوارية بمشاركة نخبة من السيدات الرائدات في العمل العام: الأستاذة فضيلة فتال، الدكتورة سميرة بغدادي، الأستاذة ليلى تيشوري، والأستاذة رشا سنكري. وقد شدّد الحسن في كلمته الافتتاحية على أهمية حضور المرأة في الحياة البلدية، ليس كحصّة مفروضة عبر الكوتا، بل كموقع مكتسب بالجدارة والكفاءة، مؤكداً أن دعم النساء لبعضهن هو المدخل الطبيعي لترسيخ هذا الدور، في مجتمع لا يزال يُخضع النساء أحياناً لمنطق التمييز غير المعلن.
تناولت الجلسة قضايا جوهرية تتعلّق بالتجارب البلدية السابقة، والصعوبات التي واجهتها النساء داخل المجالس نتيجة الانقسامات والتعطيل، وطرحت المشاركات رؤى واقعية لكيفية تمكين المرأة من الحفاظ على مشروعها وتقديم إضافة نوعية بعيداً عن التنازع والصراعات السياسية. كما استُعرضت تجارب رائدة لنساء شغلن مواقع متقدمة في الإدارة العامة شمالاً، ما يعكس تحولاً ملموساً في الدور العام للمرأة وقدرتها على القيادة في الشأن البلدي والإنمائي، لا سيما في ظل الأزمات المتعاقبة التي تتطلب إدارات محلية فعّالة ومسؤولة.
وخُتمت الجلسة بالتأكيد على أن المرأة، متى دخلت المجلس البلدي، يجب أن تبقى رسولاً لصوت الناس وهمومهم، بعيداً عن منطق “الصقور” الذي يطغى أحياناً على الحياة السياسية، وأن تتحوّل إلى عنصر تغيير فعلي عبر ثقافة التعاون لا التصادم. وقد شكّل اللقاء فرصة لتبادل الخبرات والإضاءة على النماذج النسائية الملهمة، في ظل دعوة واضحة إلى تخطّي التصنيفات الجندرية وبناء عمل بلدي حديث تشاركي، يليق بالمجتمع ويستجيب لتطلعات أبنائه وبناته.
وفي ختام هذا المحور، تم تكريم المتحدثات تقديراً لعطائهن وتجاربهن الملهمة، حيث قُدمت الدروع التكريمية لكل من الأستاذة فضيلة فتال، والدكتورة سميرة بغدادي، والأستاذة ليلى تيشوري، والأستاذة رشا سنكري، بالإضافة إلى الأستاذة رنا دبليز، مديرة معهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين في طرابلس.
واختُتمت أعمال الندوة بحفل كوكتيل جمع الحضور في أجواء تفاعلية ودية، شكّل مساحة غنية لتبادل الأفكار وتعزيز فرص التعاون المستقبلي في مجال العمل البلدي والتنمية المحلية.